Jumat, 23 September 2011

4 EMPAT


* ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله( وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا ) يقول : بئسما حملوا.
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله( وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا ) يعني بذلك : ذنوبهم.
وقوله( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) يقول تعالى ذكره : وساء لهم يوم القيامة ، يوم ينفخ في الصور ، فقوله( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) ردًّا على يوم القيامة ، وقد بيَّنا معنى النفخ في الصور ، وذكرنا اختلاف المختلفين في معنى الصور ، والصحيح في ذلك من القول عندي بشواهده المغنية عن إعادته في هذا الموضع قبل.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) بالياء وضمها على ما لم يسمّ فاعله ، بمعنى : يوم يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور. وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ ذلك( يَوْمَ نَنْفُخُ فِي الصُّورِ) بالنون بمعنى : يوم ننفخ نحن في الصور ، كأن الذي دعاه إلى قراءة ذلك كذلك طلبه التوفيق بينه وبين قوله( وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ ) إذ كان لا خلاف بين القرّاء في نحشر أنها بالنون.
قال أبو جعفر : والذي أختار في ذلك من القراءة يوم ينفخ بالياء على وجه ما لم يسمّ فاعله ، لأن ذلك هو القراءة التي عليها قرّاء الأمصار وإن كان للذي قرأ أبو عمرو وجه غير فاسد.
وقوله( وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ) يقول تعالى ذكره : ونسوق أهل الكفر بالله يومئذ إلى موقف القيامة زرقا ، فقيل : عنى بالزرق في هذا الموضع : ما يظهر في أعينهم من شدة العطش الذي يكون بهم عند الحشر لرأي العين من الزرق ، وقيل : أريد بذلك أنهم يحشرون عميا ، كالذي قال الله( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا ).
وقوله( يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا ) يقول تعالى ذكره : يتهامسون بينهم ، ويسرّ بعضهم إلى بعض : إن لبثتم في الدنيا ، يعني أنهم يقول بعضهم لبعض : ما لبثتم في الدنيا إلا عشرا.
(18/369)

نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : (يتخافتون بينهم) يقول : يتسَارُّون بينهم.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله( يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ ) : أي يتسارُّون بينهم( إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا ).
القول في تأويل قوله تعالى : { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا (104) }
يقول تعالى ذكره : نحن أعلم منهم عند إسرارهم وتخافتهم بينهم بقيلهم( إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا ) بما يقولون لا يخفى علينا مما يتساررونه بينهم شيء( إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا ) يقول تعالى ذكره حين يقول أوفاهم عقلا وأعلمهم فيهم : إن لبثتم في الدنيا إلا يوما.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن شعبة ، في قوله : ( إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً ) أوفاهم عقلا
وإنما عنى جلّ ثناؤه بالخبر عن قيلهم هذا القول يومئذ ، إعلام عباده أن أهل الكفر به ينسون من عظيم ما يعاينون من هول يوم القيامة ، وشدّة جزعهم من عظيم ما يردون عليه ما كانوا فيه في الدنيا من النعيم واللذّات ، ومبلغ ما عاشوا فيها من الأزمان ، حتى يخيل إلى أعقلهم فيهم ، وأذكرهم وأفهمهم أنهم لم يعيشوا فيها إلا يوما.
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا (107) }
(18/370)

يقول تعالى ذكره : ويسألك يا محمد قومك عن الجبال ، فقل لهم : يذريها ربي تذرية ، ويطيرها بقلعها واستئصالها من أصولها ، ودكّ بعضها على بعض ، وتصييره إياها هباء منبثا
(فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا) يقول تعالى ذكره : فيدع أماكنها من الأرض إذا نسفها نسفا ، قاعا : يعني : أرضا ملساء ، صفصفا : يعني مستويا لا نبات فيه ، ولا نشز ، ولا ارتفاع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله( قَاعًا صَفْصَفًا ) يقول : مستويا لا نبات فيه.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله( فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ) قال : مستويا ، الصفصف : المستوي.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا عبد الله بن يوسف ، قال : ثنا عبد الله بن لهيعة ، قال : ثنا أبو الأسود ، عن عروة ، قال : كنا قعودا عند عبد الملك حين قال كعب : إن الصخرة موضع قدم الرحمن يوم القيامة ، فقال : كذب كعب ، إنما الصخرة جبل من الجبال ، إن الله يقول( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ) فسكت عبد الملك.
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله(صَفْصَفا) قال : مستويا.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
قال أبو جعفر : وكان بعض أهل العلم بلغات العرب من أهل الكوفة يقول : القاع : مستنقع الماء ، والصفصف : الذي لا نبات فيه.
وقوله( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) يقول : لا ترى في الأرض عوجا ولا أمتا.
واختلف أهل التأويل في معنى العوج والأمت ، فقال بعضهم عنى
(18/371)

بالعوج في هذا الموضع : الأودية ، وبالأمت : الروابي والنشوز.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) يقول : واديا ، ولا أمتا : يقول : رابية.
حدثني محمد بن عبد الله المخرمي ، قال : ثنا أبو عامر العقدي ، عن عبد الواحد بن صفوان مولى عثمان ، قال : سمعت عكرمة ، قال : سئل ابن عباس ، عن قوله(لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) قال : هي الأرض البيضاء ، أو قال : الملساء التي ليس فيها لبنة مرتفعة.
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) قال : ارتفاعا ، ولا انخفاضا.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) قال : لا تعادي ، الأمت : التعادي.
وقال آخرون : بل عنى بالعوج في هذا الموضع : الصدوع ، وبالأمت : الارتفاع من الآكام وأشباهها.
* ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ) قال : صدعا(ولا أمتا) يقول : ولا أكمة.
وقال آخرون : عنى بالعوج : الميل ، وبالأمت : الأثر.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله( لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ) يقول : لا ترى فيها ميلا والأمت : الأثر مثل الشراك.
وقال آخرون : الأمت : المحاني والأحداب.
* ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : الأمت : الحدب.
(18/372)

يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108)
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بالعوج : الميل ، وذلك أن ذلك هو المعروف في كلام العرب.
فإن قال قائل : وهل في الأرض اليوم من عوج ، فيقال : لا ترى فيها يومئذ عوجا ، قيل : إن معنى ذلك : ليس فيها أودية وموانع تمنع الناظر أو السائر فيها عن الأخذ على الاستقامة ، كما يحتاج اليوم من أخذ في بعض سبلها إلى الأخذ أحيانا يمينا ، وأحيانا شمالا لما فيها من الجبال والأودية والبحار. وأما الأمت فإنه عند العرب : الانثناء والضعف ، مسموع منهم ، مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا : أي انثناء ، وملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا ، ومنه قول الراجز :
ما فِي انْجِذَابِ سَيْرِهِ مِنْ أمْتِ (1)
يعني : من وهن وضعف ، فالواجب إذا كان ذلك معنى الأمت عندهم أن يكون أصوب الأقوال في تأويله : ولا ارتفاع ولا انخفاض ، لأن الانخفاض لم يكن إلا عن ارتفاع ، فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : لا ترى فيها ميلا عن الاستواء ، ولا ارتفاعا ، ولا انخفاضا ، ولكنها مستوية ملساء ، كما قال جلّ ثناؤه : ( قَاعًا صَفْصَفًا ).
القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا (108) }
يقول تعالى ذكره : يومئذ يتبع الناس صوت داعي الله الذي يدعوهم إلى موقف القيامة ، فيحشرهم إليه( لا عِوَجَ لَهُ ) يقول : لا عوج
__________
(1) البيت من مشطور الرجز ، وهو للعجاج كما في ( اللسان : أمت ) والرواية فيه : * ما في انطلاق ركبه من أمت *
قال : وفي حديث أبي سعيد الخدري : " أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الخمر ، فلا أمت فيها ، وأنا أنهي عن السكر والمسكر " . قال أبو منصور : معنى قول أبي سعيد عن النبيّ : أراد أنه حرمها تحريما لا هوادة فيه ولا لين ، لكنه شدد في تحريمها ؛ وهو من قولك : سرت سيرا لا أمت فيه : أي لا وهن فيه ولا ضعف . وجائز أن يكون المعنى أنه حرمها تحريمًا لا شك فيه . وأصله من الأمت بمعنى الحزر والتقدير ، لأن الشك يدخلها . قال العجاج * ما في انطلاق ركبه من أمت *
أي من فتور واسترخاء . أه .
(18/373)

لهم عنه ولا انحراف ، ولكنهم سراعا إليه ينحشرون ، وقيل : لا عوج له ، والمعنى : لا عوج لهم عنه ، لأن معنى الكلام ما ذكرنا من أنه لا يعوجون له ولا عنه ، ولكنهم يؤمونه ويأتونه ، كما يقال في الكلام : دعاني فلان دعوة لا عوج لي عنها : أي لا أعوج عنها ، وقوله( وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ ) يقول تعالى ذكره : وسكنت أصوات الخلائق للرحمن فوصف الأصوات بالخشوع ، والمعنى لأهلها إنهم خضع جميعهم لربهم ، فلا تسمع لناطق منهم منطقا إلا من أذن له الرحمن.
كما حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله( وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ ) يقول : سكنت.
وقوله( فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ) يقول :
إنه وطء الأقدام إلى المحشر ، وأصله : الصوت الخفيّ ، يقال همس فلان إلى فلان بحديثه إذا أسرّه إليه وأخفاه ، ومنه قول الراجز :
وَهُنَّ يَمْشِينَ بنا هَمِيسًا... إنْ يَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا (1)
يعني بالهمس : صوت أخفافِ الإبل في سيرها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عليّ بن عابس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس( فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ) قال : وطء الأقدام.
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله( وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ) يعني : همس الأقدام ، وهو الوطء.
حدثني عليّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن
__________
(1) البيت مما أنشده ابن عباس ، وقد نقله عنه السيوطي في الإتقان وكثير من المفسرين ، ومنهم المؤلف ، ونقل صاحب ( اللسان : همس ) شطره الأول . وهو * وهن يمشين بنا هميسا *
قال : وهو صوت نقل أخفاف الإبل . أ هـ . وقال في أول المادة : الهمس : الخفي من الصوت والوطء والأكل . وفي التنزيل : " فلا تسمع إلا همسا " . وفي التهذيب : يعني به والله أعلم : خفق الأقدام على الأرض . وقال الفراء : يقال إنه نقل الأقدام إلى المحشر . ويقال : الصوت الخفي . وروي عن ابن عباس تمثل فأنشده * وهن يمشين بنا هميسا *
.
(18/374)

يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)
ابن عباس( فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ) يقول : الصوت الخفي.
حدثنا إسماعيل بن موسى السديّ ، قال : أخبرنا شريك ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عكرمة( فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ) قال : وطء الأقدام.
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سليمان ، قال : ثنا حماد ، عن حميد ، عن الحسن( فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ) قال : همس الأقدام.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة( فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ) قال قتادة : كان الحسن يقول : وقع أقدام القوم.
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله( فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ) قال : تهافتا ، وقال : تخافت الكلام.
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله(هَمْسا) قال : خفض الصوت.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُريج ، عن مجاهد ، قال : خفض الصوت ، قال : وأخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : كلام الإنسان لا تسمع تحرّك شفتيه ولسانه.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله( فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ) يقول : لا تسمع إلا مشيا ، قال : المشي الهمس وطء الأقدام.
القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) }
يقول تعالى ذكره( يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا ) شفاعة(من أذن له الرحمن) أن يشفع( وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا ) وأدخل في الكلام له دليلا على إضافة
(18/375)

وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)
القول إلى كناية " مَنْ " وذلك كقول القائل الآخر : رضيت لك عملك ، ورضيته منك ، وموضع مَن من قوله( إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ ) نصب لأنه خلاف الشفاعة.
وقوله( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ) يقول تعالى ذكره : يعلم ربك يا محمد ما بين أيدي هؤلاء الذين يتبعون الداعي من أمر القيامة ، وما الذي يصيرون إليه من الثواب والعقاب( وَمَا خَلْفَهُمْ ) يقول : ويعلم أمر ما خلفوه وراءهم من أمر الدنيا. كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ) من أمر الساعة(وما خلفهم) من أمر الدنيا.
وقوله( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) يقول تعالى ذكره : ولا يحيط خلقه به علما. ومعنى الكلام : أنه محيط بعباده علما ، ولا يحيط عباده به علما ، وقد زعم بعضهم أن معنى ذلك : أن الله يعلم ما بين أيدي ملائكته وما خلفهم ، وأن ملائكته لا يحيطون علما بما بين أيدي أنفسهم وما خلفهم ، وقال : إنما أعلم بذلك الذين كانوا يعبدون الملائكة ، أن الملائكة كذلك لا تعلم ما بين أيديها وما خلفها ، موبخهم بذلك ومقرّعهم بأن من كان كذلك ، فكيف يعبد ، وأن العبادة إنما تصلح لمن لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
القول في تأويل قوله تعالى : { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) }
يقول تعالى ذكره : استرّت وجوه الخلق ، واستسلمت للحيّ القيوم الذي لا يموت ، القيوم على خلقه بتدبيره إياهم ، وتصريفهم لما شاءوا ، وأصل العنو الذلّ ، يقال منه : عنا وجهه لربه يعنو عنوا ، يعني خضع له وذلّ ، وكذلك قيل للأسير : عان لذلة الأسر ، فأما قولهم : أخذت الشيء عنوة ، فإنه يكون وإن كان معناه يئول إلى هذا أن يكون أخذه غلبة ، ويكون أخذه عن تسليم وطاعة ، كما قال الشاعر :
(18/376)

هَلْ أنْتَ مُطِيعي أيُّها القلب عنوة... ولم تلح نفس لم تلم في اختيالها (1)
وقال آخر :
هَلْ أخَذُوها عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّةٍ... وَلَكِنْ بِحَدِّ المَشْرَفِي اسْتَقالَهَا (2)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) يقول : ذلت.
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمى ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) يعني بعنت : استسلموا لي.
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ ) قال : خشعت.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيْج ، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ،
__________
(1) لم أقف على قائل البيت . وعنوة : قال في اللسان ( عنو ) في حديث الفتح أنه دخل مكة عنوة : أي قهرا وغلبة . قال ابن الأثير : هو من عنا يعنو : إذا ذل وخضع . والعنوة : المرة منه ، كأن المأخوذ بها يخضع ويذل . وأخذت البلاد عنوة : بالقهر والإذلال . ابن الأعرابي : عنا يعنو : إذا أخذ الشيء قهرا . وعنا يعنو عنوة : إذا أخذ الشيء صلحا ، بإكرام ورفق . والعنوة أيضا المودة قال الأزهري : أخذت الشيء عنوة : يعني غلبة ، ويكون عن تسليم وطاعة مما يؤخذ منه الشيء . وأنشد الفراء لكثير : فَمَا أخَذُوها عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّةٍ ... وَلَكِنَّ ضَرْبَ المَشْرَفِيّ اسْتَقَالَهَا
فهذا على معنى التسليم والطاعة بلا قتال . وقال الأخفش في قوله تعالى : " وعنت الوجوه " : استأسرت . قال : والعاني : الأسير . وقال أبو الهيثم : العاني الخاضع .
(2) البيت لكثير عزة ، كما في ( اللسان : عنا ) وقد تقدم القول في معناه في الشاهد السابق عليه . المشرفي : السيف منسوب إلى قرية يقال لها مشارف بالشام أو اليمن . واستقلالها : أخذها وانتزاعها .
(18/377)

عن قتادة ، قوله( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) أي ذلَّت الوجوه للحيّ القيوم.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) قال : ذلت الوجوه.
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قال طلق : إذا سجد الرجل فقد عنا وجهه ، أو قال : عنا.
حدثني أبو حُصَن عبد الله بن أحمد ، قال : ثنا عبثر ، قال : ثنا حصين ، عن عمرو بن مرة عن طلق بن حبيب ، في هذه الآية( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) قال : هو وضع الرجل رأسه ويديه وأطراف قدميه.
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن عمرو بن مرّة ، عن طلق بن حبيب في قوله( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) قال : وهو وضعك جبهتك وكفيك وركبتيك وأطراف قدميك في السجود.
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال ثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن عمرو بن مرّة ، عن طلق بن حبيب في قوله( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) قال : وضع الجبهة والأنف على الأرض.
حدثني يعقوب : قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عمرو بن مرّه ، عن طلق بن حبيب ، في قوله( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) قال : هو السجود على الجبهة والراحة والركبتين والقدمين.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) قال : أستأسرت الوجوه للحيّ القيوم ، صاروا أسارى كلهم له ، قال : والعاني : الأسير ، وقد بيَّنا معنى الحيّ القيوم فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وقوله( وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ) يقول تعالى ذكره : ولم يظفر بحاجته وطلبته من حمل إلى موقف القيادة شركا بالله ، وكفرا به ، وعملا بمعصيته.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله( وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ) قال : من حمل شركا.
(18/378)

Tidak ada komentar:

Posting Komentar