Kamis, 22 September 2011

جامع البيان في تأويل القرآن




الكتاب : جامع البيان في تأويل القرآن
المؤلف : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري،
[ 224 - 310 هـ ]
المحقق : أحمد محمد شاكر
الناشر : مؤسسة الرسالة
الطبعة : الأولى ، 1420 هـ - 2000 م
عدد الأجزاء : 24
مصدر الكتاب : موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
www.qurancomplex.com
[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ، والصفحات مذيلة بحواشي أحمد ومحمود شاكر ]
فقالوا : رجلان في كلّ حال. قال : وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين ، في الرفع والنصب والخفض ، وهما اثنان ، إلا بني كنانة ، فإنهم يقولون : رأيت كلي الرجلين ، ومررت بكلي الرجلين ، وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس ، قال : والوجه الآخر أن تقول : وجدت الألف من هذا دعامة ، وليست بلام فعل ، فلما بنيت زدت عليها نونا ، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكلّ حال ، كما قالت العرب الذي ، ثم زادوا نونا تدلّ على الجمع ، فقالوا : الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم ، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه ، قال : وكان القياس أن يقولوا : اللذون ، وقال آخر منهم : ذلك من الجزم المرسل ، ولو نصب لخرج إلى الانبساط.
وحُدثت عن أبي عُبيدة معمر بن المثنى ، قال : قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس : إن هذين لساحران في اللفظ ، وكتب هذان كما يريدون الكتاب ، واللفظ صواب ، قال : وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوما من بني كنانة وغيرهم ، يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب ، قال : وقال بشر بن هلال : إن بمعنى الابتداء والإيجاب ، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها ، فترفع الخبر ولا تنصبه ، كما نصبت الاسم ، فكان مجاز " إن هذان لساحران " ، مجاز كلامين ، مَخْرجه : إنه إي نعم ، ثم قلت : هذان ساحران. ألا ترى أنهم يرفعون المشترك كقول ضابئ :
فَمَنْ يَكُ أمْسَى بالمَدِينَةِ رَحْلُهُ... فإنّي وَقيار بِهَا لَغَرِيبُ (1)
وقوله :
__________
(1) البيت لضابئ بن الحارث البرجمي ، وهو أول أبيات قالها وهو محبوس بالمدينة ، في زمن عثمان بن عفان . وبعده ثلاثة أبيات أنشدها أبو العباس المبرد في الكامل ( خزانة الأدب للبغدادي 4 : 323 - 328 ) واستشهد به النحاة على أن قوله ( قيار ) مبتدأ حذف خبره ، والجملة اعتراضية بين اسم إن وخبرها ، والتقدير : فإني وقيار كذلك ، لغريب . وإنما لم يجعل الخبر لقيار ، ويكون خبر إن محذوفا ؛ لأن اللام لا تدخل في خبر المبتدأ حتى يقدم ، نحو لقائم زيد . وهذا تخريج له خلاف مذهب سيبويه ، فإن الجملة عنده في نية التأخير ، فهي معطوفة لا معترضة ، وزعم الكسائي والفراء أن نصب إن ضعيف لأنها إنما تغير الاسم ولا تغير الخبر ، قال الزجاج : وهذا غلط ، لأن إن قد عملت عملين : الرفع والنصب ، وليس في العربية ناصب ليس معه مرفوع ، لأن كل منصوب مشبه بالمفعول ، والمفعول لا يكون بغير فاعل ، إلا فيما لم يسم فاعله . وكيف يكون نصب إن ضعيفا وهي تتخطى الظروف وتنصب ما بعدها نحو " إن فيها قوما جبارين " ، ونصب إن من أقوى المنصوبات أه .
(18/329)

إنَّ السُّيوفَ غُدُوَّها ورَوَاحَها... تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ (1)
قال : ويقول بعضهم : إن الله وملائكته يصلون على النبيّ ، فيرفعون على شركة الابتداء ، ولا يعملون فيه إنَّ. قال : وقد سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون : إن الحمد والنعمةَ لك والملك ، لا شريك لك ، قال : وقرأها قوم على تخفيف نون إن وإسكانها ، قال : ويجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فصل ، قال :
أُمُّ الحُلَيْس لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ (2)
قال : وزعم قوم أنه لا يجوز ، لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بدّ له من أن يدخل " إلا " فيقول : إن هذا إلا ساحران.
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا(إنّ) بتشديد نونها ،
__________
(1) البيت للأخطل ( خزانة الأدب للبغدادي 2 : 372 ) من قصيدة له ستة عشر بيتا مدح بها العباس بن محمد بن عبد الله بن العباس . والبيت شاهد عند النحاة على أنه قد يعتبر الأول في اللفظ دون الثاني ، أي يعتبر المبدل منه في اللفظ دون البدل فإن قوله " غدوها " بدل من السيوف ، قال المبرد في الكامل : هو بدل اشتمال ، وقد روعي المبدل منه في اللفظ ، بإرجاع الضمير إليه من الخبر ، ولم يراع البدل ولو روعي لقيل " تركا " بالتثنية . وهوازن : أبو قبيلة ، وهو هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر . والأعضب : الذي انكسر أحد قرنيه . وأورد المؤلف البيت شاهدا على أنهم قد يرفعون المشترك ، أي المعطوف على اسم إن ، وليس في البيت عطف على اسم إن ، وإنما هو إبدال من المنصوب كما قرره المبرد وأبو علي الفارسي في إيضاح الشعر .
(2) هذا بيت من مشطور الرجز نسبه الصاغاني في العباب إلى عنترة بن عروش بالشين في آخره ، وقيل بالسين ، مولى ثقيف . ( خزانة الأدب الكبرى للبغدادي 4 : 328 - 330 ) . وهو شاهد على أنه شذ دخول اللام على خبر المبتدأ المؤخر ، مجردا من إن . وقدر بعضهم : لهي عجوز ، لتكون في التقدير داخلة على المبتدأ . قال ابن السراج في الأصول : قال أبو عثمان : وقرأ سعيد بن جبير ( إلا أنهم لا يأكلون الطعام ) : فتح أن ، وجعل اللام زائدة كما زيدت في قوله : أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
انتهى . وعند ابن جني غير زائدة ، لكنها في البيت ضرورة . قال في سر الصناعة : وأما الضرورة التي تدخل لها اللام في خبر إن فمن ضرورات الشعر ، ولا يقاس عليها ؛ والوجه أن يقال : لأم الحليس عجوز شهربه ، كما يقال لزيد قائم . وأورد المؤلف البيت شاهدا على أن اللام فيه " وقيار بها لغريب " هي لام ابتداء أخرجت إلى الخبر ، كما في قول الراجز : أم الحليس لعجوز ، وأصله : لأم الحليس عجوز .
(18/330)

وهذان بالألف لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، وأنه كذلك هو في خطّ المصحف ، ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون ، وأقرّ في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة ، فكذلك(إنَّ هَذَانِ) زيدت على هذا نون وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة ، وهي لغة الحارث بن كعب ، وخثعم ، وزبيد ، ومن وليهم من قبائل اليمن.
وقوله( وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) يقول : ويغلبا على ساداتكم وأشرافكم ، يقال : هو طريقة قومه ونظورة قومه ، ونظيرتهم إذا كان سيدهم وشريفهم والمنظور إليه ، يقال ذلك للواحد والجمع ، وربما جمعوا ، فقالوا : هؤلاء طرائق قومهم ، ومنه قول الله تبارك وتعالى : ( كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ) وهؤلاء نظائر قومهم.
وأما قوله(المُثْلَى) فإنها تأنيث الأمثل ، يقال للمؤنث ، خذ المثلى منهما. وفي المذكر : خذ الأمثل منهما ، ووحدت المثلى ، وهي صفة ونعت للجماعة ، كما قيل( لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى ) وقد يحتمل أن يكون المُثلى أنثت لتأنيث الطريقة.
وبنحو ما قلنا في معنى قوله( بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله( وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) يقول : أمثلكم وهم بنو إسرائيل.
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله( ويذهبا بطريقتكم المثلى ) قال : أولي العقل والشرف والأنساب.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله( وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) قال : أولي العقول والأشراف والأنساب.
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتَادة ، قوله : ( وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) وطريقتهم المُثلى يومئذ كانت بنو إسرائيل ، وكانوا أكثر القوم عددا وأموالا وأولادا ، قال عدوّ الله : إنما يريدان
(18/331)

فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)
أن يذهبا بهم لأنفسهما.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله( بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) قال : ببني إسرائيل.
حدثني موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ( وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) يقول : يذهبا بأشراف قومكم.
وقال آخرون : معنى ذلك ، ويغيرا سنتكم ودينكم الذي أنتم عليه ، من قولهم : فلان حسن الطريقة.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله( وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) قال : يذهبا بالذي أنتم عليه ، يغير ما أنتم عليه ، وقرأ( ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ ) قال : هذا قوله : ( وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) وقال : يقول طريقتكم اليوم طريقة حسنة ، فإذا غيرت ذهبت هذه الطريقة.
ورُوي عن عليّ في معنى قوله( وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) ما حدثنا به القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن القاسم ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : يصرفان وجوه الناس إليهما.
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله ابن زيد في قوله( وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ) وإن كان قولا له وجه يحتمله الكلام ، فإن تأويل أهل التأويل خلافه ، فلا أستجيز لذلك القول به.
القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) }
اختلفت القراء في قراءة قوله( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ) بهمز الألف من(فأجْمِعُوا) ، ووجِّهوا معنى ذلك إلى : فأحكموا كيدكم ، واعزموا عليه ، من قولهم : أجمع فلان الخروج ، وأجمع
(18/332)

على الخروج ، كما يقال : أزمع عليه ، ومنه قول الشاعر :
يا لَيت شِعْرِي والمُنى لا تَنْفَعُ... هَلْ أغْدُونْ يوْما وأمْرِي مُجْمعُ (1)
يعني بقوله : " مجمع " ; قد أحكم وعزم عليه ، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لمْ يُجْمَعْ عَلى الصَّوْمِ مِن اللَّيْلِ فَلا صَوْم لَهُ " .
وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة : ( فاجْمِعُوا كَيْدكُمْ) بوصل الألف ، وترك همزها ، من جمعت الشيء ، كأنه وجَّهه إلى معنى : فلا تدعَوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به. وكان بعض قارئي هذه القراءة يعتلّ فيما ذُكر لي لقراءته ذلك كذلك بقوله( فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ )..
قال أبو جعفر : والصواب في قراءة ذلك عندنا همز الألف من أجمع ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، وأن السحرة هم الذين كانوا به معروفين ، فلا وجه لأن يقال لهم : أجمعوا ما دعيتم له مما أنتم به عالمون ، لأن المرء إنما يجمع ما لم يكن عنده إلى ما عنده ، ولم يكن ذلك يوم تزيد في علمهم بما كانوا يعملونه من السحر ، بل كان يوم إظهاره ، أو كان متفرّقا مما هو عنده ، بعضه إلى بعض ، ولم يكن السحر متفرّقا عندهم فيجمعونه ، وأما قوله( فَجَمَعَ كَيْدَهُ ) فغير شبيه المعنى بقوله( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ) وذلك أن فرعون كان هو الذي يجمع ويحتفل بما يغلب به موسى مما لم يكن عنده مجتمعا حاضرا ، فقيل : فتولى فرعون فجمع كيده.
__________
(1) البيت في ( اللسان : جمع ) ولم ينسبه قال وجمع أمره وأجمع عليه : عزم عليه ، كأنه جمع نفسه له ، والأمر مجمع . ويقال أيضا . أجمع أمرك ولا تدعه منتشرا وقال آخر " يا ليت شعري . . . البيت " وقوله تعالى : " فأجمعوا أمركم وشركاءكم " أي وادعوا شركاءكم قال وكذلك هي في قراءة عبد الله ؛ لأنه لا يقال أجمعت شركائي ، إنما يقال جمعت ، وقال الفراء الإجماع : الإعداد والعزيمة على الأمر قال ونصب شركائي بفعل مضمر ، كأنك قلت فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم قال أبو إسحاق الذي قاله الفراء غلط في إضماره " وادعوا شركاءكم " . لأن الكلام لا فائدة له . لأنهم كانوا يدعون شركاءهم لأن يجمعوا أمرهم . قال والمعنى فأجمعوا أمركم مع شركاءكم ، وإذا كان الدعاء لغير شيء فلا فائدة فيه قالوا والواو بمعنى مع . كقولك " لو يركب الناقة وفصيلها لرضعها " المعنى لو يركب الناقة مع فصيلها قال ومن قرأ " فأجمعوا أمركم وشركاءكم " بألف موصولة فإنه يعطف شركاءكم على أمركم قال ويجوز فأجمعوا أمركم مع شركائكم .
(18/333)

وقوله( ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ) يقول : احضروا وجيئوا صفا ، والصفّ هاهنا مصدر ، ولذلك وحد ، ومعناه : ثم ائتوا صفوفا ، وللصفّ في كلام العرب موضع آخر ، وهو قول العرب : أتيت الصفّ اليوم ، يعني به المصلى الذي يصلي فيه.
وقوله( وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ) يقول : قد ظفر بحاجته اليوم من علا على صاحبه فقهره.
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه ، قال : جمع فرعون الناس لذلك الجمع ، ثم أمر السحرة فقال( ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ) أي قد أفلح من أفلج اليوم على صاحبه.
(18/334)

قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) }
يقول تعالى ذكره : فأجمعت السحرة كيدهم ، ثم أتوا صفا فقالوا لموسى( يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ) وترك ذكر ذلك من الكلام اكتفاء بدلالة الكلام عليه.
واختلف في مبلغ عدد السحرة الذين أتوا يومئذ صفا ، فقال بعضهم : كانوا سبعين ألف ساحر ، مع كل ساحر منهم حبل وعصا.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن هشام الدستوائي ، قال : ثنا القاسم بن أبي بزّة ، قال : جمع فرعون سبعين ألف ساحر ، فألقوا سبعين ألف حبل ، وسبعين ألف عصا ، فألقى موسى عصاه ، فإذا هي ثعبان مبين فاغر به فاه ، فابتلع حبالهم وعصيهم( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا ) عند ذلك ، فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما ،
(18/334)

فعند ذلك( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ).
وقال آخرون : بل كانوا نيفا وثلاثين ألف رجل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ( قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ ) ألقوا ، فألقوا حبالهم وعصيهم ، وكانوا بضعة وثلاثين ألف رجل ليس منهم رجل إلا ومعه حبل وعصا.
وقال آخرون بل كانوا خمسة عشر ألفا.
* ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثت عن وهب بن منبه ، قال : صف خمسة عشر ألف ساحر ، مع كل ساحر حباله وعصيه.
وقال آخرون : كانوا تسع مئة.
* ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : كان السحرة ثلاث مئة من العريش ، وثلاث مئة من فيوم ، ويشكون في ثلاث مئة من الإسكندرية ، فقالوا لموسى : إما أن تلقي ما معك قبلنا ، وإما أن نلقي ما معنا قبلك ، وذلك قوله( وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ) وأن في قوله(إمَّا أنْ) في موضع نصب ، وذلك أن معنى الكلام : اختر يا موسى أحد هذين الأمرين : إما أن تلقي قبلنا ، وإما أن نكون أوّل من ألقى ، ولو قال قائل : هو رفع ، كان مذهبا ، كأنه وجَّهه إلى أنه خبر ، كقول القائل :
فَسِيرَا فإمَّا حاجَةً تَقْضِيانها... وإمَّا مَقِيل صَالِحٌ وصَدِيقُ (1)
__________
(1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( مصورة الجامعة ، الورقة 198) قال : وقوله " إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى " . . أن وأن : في موضع نصب ، والمعنى : اختر إحدى هاتين ؛ ولو رفع إذ لم يظهر الفعل ، كان صوابا ، كأنه خبر ، كقول الشاعر : فسيرا . . . البيت " . ولو رفع " فإما منا بعد وإما فداء " كان أيضا صوابا . ومذهبه كمذهب قوله : " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " والنصب في قوله " إما أن تلقي " وفي قوله " فإما منا بعد وإما فداء " : أجود من الرفع ، لأنه شيء ليس بعام ، مثل ما ترى من معنى قوله " فإمساك " و " فصيام ثلاثة أيام " لما كان المعنى يعم الناس في الإمساك بالمعروف في صيام الثلاثة الأيام في كفارة اليمين ، كان الجزاء ، فرفع لذلك ، والاختيار إنما هي فعلة واحدة .
(18/335)

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)
وقوله( قَالَ بَلْ أَلْقُوا ) يقول تعالى ذكره : قال موسى للسحرة : بل ألقوا أنتم ما معكم قبلي. وقوله( فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) ، وفي هذا الكلام متروك ، وهو : فألقوا ما معهم من الحبال والعصيّ ، فإذا حبالهم ، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام الذي ذكر عليه عنه ، وذُكر أن السحرة سحروا عين موسى وأعين الناس قبل أن يلقوا حبالهم وعصيهم ، فخيل حينئذ إلى موسى أنها تسعى.
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه ، قال : قالوا يا موسى ، ( إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا ) فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون ، ثم أبصار الناس بعد ، ثم ألقى كلّ رجل منهم ما في يده من العصي والحبال ، فإذا هي حيات كأمثال الحبال ، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا.
واختلفت القراء في قراءة قوله( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ ) بالياء بمعنى : يخيل إليهم سعيها ، وإذا قرئ ذلك كذلك ، كانت " أن " في موضع رفع ، ورُوي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه : ( تُخَيَّلُ) بالتاء ، بمعنى : تخيل حبالهم وعصيهم بأنها تسعى ، ومن قرأ ذلك كذلك ، كانت " أن " في موضع نصب لتعلق تخيل بها ، وقد ذُكر عن بعضهم أنه كان يقرؤه : ( تُخَيَّلُ إلَيْه) بمعنى : تتخيل إليه ، وإذا قرئ ذلك كذلك أيضا ف " أن " في موضع نصب بمعنى : تتخيل بالسعي لهم.
والقراءة التي لا يجوز عندي في ذلك غيرها( يُخَيَّل ) بالياء ، لإجماع الحجة من القراء عليه.
القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) }
(18/336)

يعني تعالى ذكره بقوله : فأوجس في نفسه خوفا موسى فوجده.
وقوله( قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ) يقول تعالى ذكره : قلنا لموسى إذ أوجس في نفسه خيفة( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ) على هؤلاء السحرة ، وعلى فرعون وجنده ، والقاهر لهم( وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ) يقول : وألق عصاك تبتلع حبالهم وعصيهم التي سحروها حتى خيل إليك أنها تسعى.
وقوله( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ) اختلفت القرّاء في قراءة قوله ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ) برفع كيد وبالألف في ساحر بمعنى : إن الذي صنعه هؤلاء السحرة كيد من ساحر. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ) برفع الكيد وبغير الألف في السحر بمعنى إن الذي صنعوه كيد سحر.
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، وذلك أن الكيد هو المكر والخدعة ، فالساحر مكره وخدعته من سحر يسحر ، ومكر السحر وخدعته : تخيله إلى المسحور ، على خلاف ما هو به في حقيقته ، فالساحر كائد بالسحر ، والسحر كائد بالتخييل ، فإلى أيهما أضفت الكيد فهو صواب ، وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ( كَيْدَ سِحْرٍ) بنصب كيد ، ومن قرأ ذلك كذلك ، جعل إنما حرفا واحدا وأعمل صنعوا في كيد.
قال أبو جعفر : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها لإجماع الحجة من القرّاء على خلافها.
وقوله( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) يقول : ولا يظفر الساحر بسحره بما طلب أين كان. وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقول : معنى ذلك : أن الساحر يُقتل حيث وُجد. وذكر بعض نحويي البصرة ، أن ذلك في حرف ابن مسعود( ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أيْنَ أتَى) وقال : العرب تقول : جئتك من حيث لا تعلم ، ومن أين لا تعلم ، وقال غيره من أهل العربية الأول : جزاء يقتل الساحر حيث أتى وأين أتى وقال : وأما قول العرب : جئتك من حيث لا تعلم ، ومن أين لا تعلم ، فإنما هو جواب لم يفهم ، فاستفهم كما قالوا : أين الماء والعشب.
(18/337)

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)
القول في تأويل قوله تعالى : { فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) }
وفي هذا الكلام متروك قد استغنى بدلالة ما ترك عليه وهو : فألقى موسى عصاه ، فتلقفت ما صنعوا( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) وذكر أن موسى لما ألقى ما في يده تحوّل ثعبانا ، فالتقم كلّ ما كانت السحرة ألقته من الحبال والعصي.
* ذكر الرواية عمن قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : لما اجتمعوا وألقوا ما في أيديهم من السحر ، ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ، قال : فتحت فما لها مثل الدحل ، ثم وضعت مشفرها على الأرض ورفعت الآخر ، ثم استوعبت كل شيء ألقوه من السحر ، ثم جاء إليها فقبض عليها ، فإذا هي عصا ، فخرّ السحرة سجدا( قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ) قال : فكان أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) قال : فكان أول من صلب في جذوع النخل فرعون.
حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ) فأوحى الله إليه( لا تَخَفْ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ) فألقى عصاه فأكلت كل حية لهم ، فلما رأوا ذلك سجدوا و( قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ).
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن
(18/338)

وهب بن منبه( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ) لما رأى ما ألقوا من الحبال والعصيّ وخيل إليه أنها تسعى ، وقال : والله إن كانت لعصيا في أيديهم ، ولقد عادت حيات ، وما تعدو عصاي هذه ، أو كما حدّث نفسه ، فأوحى الله إليه أن( وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) وفرح موسى فألقى عصاه من يده ، فاستعرضت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم ، وهي حيات في عين فرعون وأعين الناس تسعى ، فجعلت تلقفها ، تبتلعها حية حية ، حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت ، ووقع السحرة سجدا ، قالوا : آمنا برب هارون وموسى ، لو كان هذا سحر ما غلبنا.
وقوله( قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) يقول جلّ ثناؤه : وقال فرعون للسحرة : أصدقتم وأقررتم لموسى بما دعاكم إليه من قبل أن أطلق ذلك لكم( إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ) يقول : إن موسى لعظيمكم( الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ).
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه ، قال : لما قالت السحرة( آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) قال لهم فرعون ، وأسف ورأى الغلبة والبينة : ( آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ) : أي لعظيم السحار الذي علمكم.
وقوله : ( فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ) يقول : فلأقطعن أيديكم وأرجلكم مخالفا بين قطع ذلك ، وذلك أن يقطع يمنى اليدين ويسرى الرجلين ، أو يسرى اليدين ، ويمنى الرجلين ، فيكون ذلك قطعا من خلاف ، وكان فيما ذُكر أوّل من فعل ذلك فرعون ، وقد ذكرنا الرواية بذلك. وقوله( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) يقول : ولأصلبنكم على جذوع النخل ، كما قال الشاعر :
هُمْ صَلَبُوا العَبْدِيّ فِي جِذعِ نَخْلَةٍ... فَلا عَطَسَتْ شَيْبان إلا بأجْدَعا (1)
__________
(1) البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكري ( اللسان : عبد ) قال : قال سيبويه : النسبة إلى عبد القيس عبدي ، وهو من القسم الذي أضيف فيه الأول ، لأنهم لو قالوا : قيسي ، لالتبس بالمضاف إلى قيس عيلان ونحوه ، قال سويد بن أبي كاهل : " وهو صلبوا . . . البيت " . قال ابن بري : قوله بأجدعا ، أي بأنف أجدع ، فحذف الموصوف ، وأقام صفته مكانه . واستشهد المؤلف بقوله : صلبوا العبدي في جذع نخلة أي على جذع نخلة ، كقول القرآن : وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ . وإنما ذلك على الاستعارة التبعية في الحرف ( في ) بتشبيه الاستعلاء بالظرفية ، بجامع التمكن في كل منهما .
(18/339)

قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)
يعني على ، جذع نخلة ، وإنما قيل : في جذوع ، لأن المصلوب على الخشبة يرفع في طولها ، ثم يصير عليها ، فيقال : صلب عليها.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) لما رأى السحرة ما جاء به عرفوا أنه من الله فخروا سجدا ، وآمنوا عند ذلك ، قال عدو الله( فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ )... الآية.
حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، قال فرعون : ( فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) فقتلهم وقطعهم ، كما قال عبد الله بن عباس حين قالوا( رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ) وقال : كانوا في أوّل النهار سحرة ، وفي آخر النهار شهداء.
وقوله( وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ) يقول : ولتعلمنَّ أيها السحرة أينا أشدّ عذابا لكم ، وأدوم ، أنا أو موسى.
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) }
يقول تعالى ذكره : قالت السحرة لفرعون لما توعدهم بما توعدهم به( لَنْ نُؤْثِرَكَ ) فنتبعك ونكذب من أجلك موسى( عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ) يعني من الحجج والأدلة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى( وَالَّذِي فَطَرَنَا ) يقول : قالوا : لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات ، وعلى الذي فطرنا ، ويعني بقوله(فَطَرَنا) خلقنا ، فالذي من قوله( وَالَّذِي فَطَرَنَا ) خفض على قوله( مَا جَاءَنَا ) وقد يحتمل أن يكون قوله( وَالَّذِي فَطَرَنَا ) خفضا على القسم ، فيكون معنى الكلام : لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والله ، وقوله( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ )
(18/340)

يقول : فاصنع ما أنت صانع ، واعمل بنا ما بدا لك( إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) يقول : إنما تقدر أن تعذّبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى ، ونصب الحياة الدنيا على الوقت وجعلت إنما حرفا واحدا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه( لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ) أي على الله على ما جاءنا من الحجج مع بينة( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ) أي اصنع ما بدا لك( إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) أي ليس لك سلطان إلا فيها ، ثم لا سلطان لك بعده.
وقوله( إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ) يقول تعالى ذكره : إنا أقررنا بتوحيد ربنا ، وصدقنا بوعده ووعيده ، وأن ما جاء به موسى حق( لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ) يقول : ليعفو لنا عن ذنوبنا فيسترها علينا( وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ) يقول : ليغفر لنا ذنوبنا ، وتعلمنا ما تعلمناه من السحر ، وعملنا به الذي أكرهتنا على تعلُّمه والعمل به ، وذُكر أن فرعون كان أخذهم بتعليم السحر.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن سهل ، قال : ثنا نعيم بن حماد ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قول الله تبارك وتعالى : ( وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ) قال : غلمان دفعهم فرعون إلى السحرة ، تعلمهم السحر بالفَرَما.
حدثي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله( وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ) قال : أمرهم بتعلم السحر ، قال : تركوا كتاب الله ، وأمروا قومهم بتعليم السحر.
(وما أكرهتنا عليه من السحر) قال : أمرتنا أن نتعلمه.
وقوله( وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) يقول : والله خير منك يا فرعون جزاء لمن أطاعه ، وأبقى عذابا لمن عصاه وخالف أمره.
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق( وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) : خير منك ثوابا ، وأبقى عذابا.
(18/341)

إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب ، ومحمد بن قيس في قول الله( وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) قالا خيرا منك إن أطيع ، وأبقى منك عذابا إن عُصي.
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل السحرة لفرعون( إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ ) من خلقه(مُجْرِما) يقول : مكتسبا الكفر به ، ( فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ ) يقول : فإن له جهنم مأوى ومسكنا ، جزاء له على كفره( لا يَمُوتُ فِيهَا ) فتخرج نفسه( وَلا يَحْيَا ) فتستقر نفسه في مقرها فتطمئن ، ولكنها تتعلق بالحناجر منهم( وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا ) موحدا لا يُشرك به( قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ ) يقول : قد عمل ما أمره به ربه ، وانتهى عما نهاه عنه( فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ) يقول : فأولئك الذين لهم درجات الجنة العلى.
القول في تأويل قوله تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) }
يقول تعالى ذكره : ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ، فأولئك لهم الدرجات العلى. ثم بين تلك الدرجات العلى ما هي ، فقال : هن( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) يعني : جنات إقامة لا ظعن عنها ولا نفاد لها ولا فناء( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) يقول : تجري من تحت أشجارها الأنهار( خَالِدِينَ فِيهَا ) يقول : ماكثين فيها إلى غير غاية محدودة; فالجنات من قوله( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) مرفوعة بالردّ على الدرجات.
(18/342)

كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله( وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ) قال : عدن.
وقوله( وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ) يقول : وهذه الدرجات العُلى التي هي جنات عدن على ما وصف جلّ جلاله ثواب من تزكى ، يعني : من تطهر من الذنوب ، فأطاع الله فيما أمره ، ولم يدنس نفسه بمعصيته فيما نهاه عنه.
(18/343)

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى (77) }
يقول تعالى ذكره( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى ) نبينا(مُوسَى) إذ تابعنا له الحجج على فرعون ، فأبى أن يستجيب لأمر ربه ، وطغى وتمادى في طغيانه(أنْ أسْرِ) ليلا(بِعِبادِي) يعني بعبادي من بني إسرائيل ،
( فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا ) يقول : فاتخذ لهم في البحر طريقا يابسا ، واليَبَس واليَبْس : يجمع أيباس ، تقول : وقفوا في أيباس من الأرض ، واليَبْس المخفف : يجمع يبوس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله(يَبسا) قال : يابسا.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيْج ، عن مجاهد ، مثله.
وأما قوله( لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى ) فإنه يعني : لا تخاف من فرعون وجنوده أن يدركوك من ورائك ، ولا تخشى غرقا من بين يديك ووَحَلا.
(18/343)

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله( لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى ) يقول : (لا تخافُ) من آل فرعون( دَرَكًا وَلا تَخْشَى ) من البَحْرِ غرقا.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة( لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى ) يقول : لا تخاف أن يدركك فرعون من بعدك ولا تخشى الغرق أمامك.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جُرَيْج : قال أصحاب موسى : هذا فرعون قد أدركنا ، وهذا البحر قد غشينا ، فأنزل الله( لا تَخَافُ دَرَكًا ) أصحاب فرعون(ولا تَخْشَى) من البحر وحلا.
حدثني أحمد بن الوليد الرملي ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : ثنا هشيم ، عن بعض أصحابه ، في قوله( لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى ) قال : الوَحَل.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله( لا تَخَافُ دَرَكًا ) فقرأته عامَّة قرّاء الأمصار غير الأعمش وحمزة : ( لا تَخَافُ دَرَكًا ) على الاستئناف بلا كما قال : ( وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ) فرفع ، وأكثر ما جاء في هذا الأمر الجواب مع " لا " . وقرأ ذلك الأعمش وحمزة( لا تَخَفْ دَرَكا) فجزما لا تخاف على الجزاء ، ورفعا( وَلا تَخْشَى ) على الاستئناف ، كما قال جلّ ثناؤه( يُوَلُّوكُمُ الأدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ) فاستأنف بثم ، ولو نوى بقوله : ( وَلا تَخْشَى ) الجزم ، وفيه الياء ، كان جائزا ، كما قال الراجز :
هُزّي إلَيْكِ الجِذْعَ يجْنِيكِ الجَنى
وأعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها(لا تخافُ) على وجه الرفع ، لأن ذلك أفصح اللغتين ، وإن كانت الأخرى جائزة ، وكان بعض نحويي البصرة يقول : معنى قوله( لا تَخَافُ دَرَكًا ) اضرب لهم طريقا لا تخاف فيه دركا ، قال : وحذف فيه ، كما تقول : زيد أكرمت ، وأنت تريد أكرمته ، وكما تقول( وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا ) أي لا تجزى فيه ، وأما نحويو الكوفة فإنهم
(18/344)

Tidak ada komentar:

Posting Komentar